(( ذهب مع الريح )) للكاتبة / مرجريت ميتشل
صفحة 1 من اصل 1
(( ذهب مع الريح )) للكاتبة / مرجريت ميتشل
مرجريت ميتشيل (margaret mitchell) كاتبة امريكية ولدت عام 1900 وتوفيت عام 1949 تركت مخلفة وراءها واحدة من ابرز روايات القرن هي (ذهب مع الريح) المترجمة الى العربية, والتي تجاهل النقاد قيمتها الادبية, في حين وضعها نقاد آخرون في مصاف افضل الروايات العالمية
إعتاد كثيرون على النظر الى رواية مرجريت ميتشيل (ذهب مع الريح) بوصفها من المقروءات النسائية, زاعمين انها تليق بربات البيوت. فلو أن واحداً لا يعرف قواعد الحشمة في مجتمع ادبي جدي اتى على ذكر اسم مرجريت ميتشيل لقوبل بنظرة ازدراء مصحوبة باجابة متعالية في صيغة سؤال: (أحقا يمكن ان يعجبك ذلك؟).
فإن لم يرتبك الشخص المعني, وقال متمتماً : نعم, يعجبني ردوا عليه بان الادباء الامريكيين المرموقين لم يكونوا يطيقون مجرد ذكر اسم مارجريت ميتشيل, وان وليم فوكنر لم يدرجها يوما في قائمة من القوائم التي اعدَّها بأسماء (الادباء الامريكيين) بل حتى ان ممثلي ما يسمى بـ (المدرسة الجنوبية) (روبرت بن وورن, وكارسون ماكاليرس) لم يعيرا ادنى اهتمام لميتشيل اصلا.
ولكن كيف نفسر نجاحها بين القراء؟
وماذا يعني النجاح بين القراء؟ انه ليس مقياسا للنوعية, اذ ان (العروض الرخيصة) تحظى ايضا باقبال عدد من المشاهدين يفوق كثيرا عدد مشاهدي افلام بيرجمان.
الا ان ناقدا مشهورا وجديرا بالتقدير قال : (ان رواية ذهب مع الريح) هي المعادل الامريكي لرواية الاديب الروسي ليف تولسكوي (1818 ـ 1910) (الحرب والسلم).
اما لماذا (الصقت) وبلا رحمة برواية ميتشيل دفعة تصفها انها رواية (للنساء فقط) فسؤال جوابه, واضح تماما, ان السبب هو قصة (الغرام) بين سكارليت وريت باتلر, وهي القصة التي ربما لم يقرأ كثير من النساء (اللاتي يعشقن (العروض الرخيصة)) غيرها في الرواية.
ثم ان ديفيد سيلزنيك, وهو يصور فيلمه (ذهب مع الريح) لم يبق عمليا الا هذه القصة, وبعدئذ جاء دور هوليوود التي تعرف حقا (من أين تؤكل الكتف).
ولكن حتى هذه القصة, اذا ما توخينا الدقة, لا تندرج تماما في اطار قصص الحب الوردية.. وذلك قبل كل شيء بفضل البطلة سكارليت التي ليست على الاطلاق (نموذجا نسائيا يحتذى) وليست فتاة شاعرية حالمة تنتظر محبوبها. بل هي بالأحرى لا تنتظر محبوبها, وانما تحصل عليه مثلما تحصل على المال.
ومرجريت ميتشيل نفسها لم تكن ابدا تنظر الى بطلتها سكارليت كـ (بطلة) فهي تقول: (لقد حاولت ان اصور امرأة ليست رائعة على الاطلاق, امرأة قلما نستطيع ان نقول عنها شيئاً حسنا, وحاولت ان انجح في نسج شخصيتها, وارى انه لشيء سخيف ومضحك كون (سكارليت اوهارا) أصبحت شبيهة ببطلة قومية. كما أعتقد بأنه شنيع للغاية ـ بالنسبة لوضع الأمة الاخلاقي والعقلي ان تكون الامة قادرة على ان تصفق وتتولع بامرأة تسلك هذا السلوك).
ولكن هذه الكلمات لا تغير من جوهر الامر شيئاً, اي ان (سكارليت اوهارا) هي حقا رمز امريكا المعترف به, امريكا التي نعرفها عقب انتصار الشمال على الجنوب في الحرب الاهلية, ومن المؤسف حقا ان التاريخ لايعرف صيغة الامتناع (لو أنّ).
على أن سكارليت ليست امرأة عديمة الاخلاق ابدا, اي ليست ماجنة بالمعنى المعاصر لهذه الكلمة, انها لا تطيق غريمتها, ومع ذلك فان تلك الغريمة تظل على قيد الحياة بفضل سكارليت تحديدا, ثم ان سكارليت لا تحب اخواتها ايضا, ولكنها ملزمة بالاعتناء بهن, وتعتني بهن. وهي , على بخلها وطمعها, ترسل المال الى قريباتها في شارلستون البعيدة, مهتدية بفضيلة ضرورة تقديم المساعدة للاقرباء. وفضلا عن ذلك فإن سكارليت تحسن الالتزام بكلمتها. هذا الجمع لصفات متناقضة في شخص واحد (النبل والطمع, الحب النزيه عن الغرض والقدرة على بيع النفس, التصرف بشرف واستقامة والغش من اجل المصلحة الشخصية ان هو الا تجسيد للجمع بين براجماتية (الشمال) ومفهوم (الجنوب) للشرف, وهو ما يجعل شخصية سكارليت جذابة وممتعة الى هذا الحد.
لقد تمكنت الاديبة ميتشيل من التقاط اللحظة التي ادركت فيها سكارليت فجأة (وهي تطالع الحسابات المتداخلة في حانوت زوجها فرانك انها ـ وهي المرأة! لا تقل فهما عن الرجال سادة الحياة:
(تلك الفكرة المدوخة ـ حول ان المرأة لا تقل مهارة عن الرجال في ادارة الاعمال, بل وتبزه في ذلك ـ كانت فكرة ثورية حقا بالنسبة الى سكارليت التي تربت على الثقة بأن الرجل يعرف كل شيء, اما المرأة فضعيفة الدماغ. وبالطبع كانت قد عرفت منذ زمن طويل ان الامر ليس على هذه الشاكلة تماما, الا ان ذلك الوهم الطيب ظل حيا في وعيها.
ولم يسبق لها من قبل ابدا ان صاغت هذه الفكرة العجيبة بكلمات. كانت جالسة لاتتحرك, يرقد مفتوحا على ركبتيها دفتر الحسابات, وفمها فاغر قليلا من الدهشة, وهي تفكر بأنها خلال جميع هذه الشهور الشحيحة في (تارا) كانت تشتغل شغل الرجال.
لقد نشأت على اليقين بأن المرأة بمفردها عاجزة عن تحقيق شيء, ولكن هاهي تمكنت من رعاية البستان دون مساعدة من رجل, إلى أن ظهر (ويل) كانت تدور في رأسها فكرة هي: (نعم, نعم, لقد تمكنت, واعتقد بأن النساء يستطعن فعل كل شيء في الدنيا, ولسنا بحاجة الى أي رجل, اللهم الا من اجل الانجاب. وبهذا الخصوص, فما من امرأة عاقلة, في الواقع, ترغب طوعا بانجاب طفل).
لو كانت الداعيات الى تحرير المرأة عندنا يتمتعن ولو بنصف نباهة (سكارليت) بطلة مرجريت ميتشيل, لكن رفعن منذ امد بعيد روايتها (ذهب مع الريح) سلاحا في نضالهن, اذ ان المرأة في هذه الرواية تتغلب (غير مرة) على الرجال المحيطين بها, بمن فيهم (ريت باتلر) البارع, والذي لا وجود لمثله في الواقع.
لعل ربت باتلر في رواية (ذهب مع الريح) كلها هو البطل الوحيد الذي لا نصدق (بأن له وجودا في الحياة) انه حقا (نسخة) عن البطل العشيق النموذجي الذي يجسد حلم المرأة, فهو غني وجميل ومحظوظ, اما سكارليت فتذوب حبا له... والشيء الاهم هو انه الشخصية (الجامدة) الوحيدة, التي لا تتطور او تتغير, عند ميتشيل اي ان باتلر هذا هو هو, مطابق لنفسه في بداية الرواية وفي نهايتها. ولكن قد تكون الرواية تحظى بالنجاح لدى ربات البيوت بفضل صورة باتلر هذه تحديدا.
حقا ان قصة غرام سكارليت بباتلر تكاد تحتل ربع نص الرواية. ان رواية مرجريت ميتشيل هي تداخل اجناس ادبية, اذ يمكن ان نجد فيها وصفا للحياة اليومية, ورواية ضيعة اغنياء, وقصة طباع, وميلودراما.. الا ان الميلودراما لا تحتل المقام الأول اطلاقا.
على أن اقوى مكان في (ذهب مع الريح) يخلو من ذكر ريت بالتر, ونعني بذلك قصة صراع سكارليت واهل بيتها من اجل البقاء في (تارا) الخربة عقب انتهاء الحرب الاهلية مباشرة. فلا تزال طازجة في ذاكرة القراءة تلك الازمنة الطيبة التي كان بوسع الابطال خلالها (أن يعيشوا بكل بساطة دون ان يدركوا سحرهم وروعتهم, اي كمالهم وانسجامهم كما في الفن الاغريقي).
تلك الازمنة التي كان فيها التوأمان الامغران الفوضويان (تارلتون) يقيمان (مسابقات) لا تنتهي ويجريان وراء الفتيات وامهما (بياتريس) التي كانت مجنونة بخيول القبائل, ثم (كيتلين كالفيرت) الحسناء المرحة التي وشوشت (سكارليت) وهي تحكي لها (قصة فظيعة) عن باتلر) الفظيع) وفي تارا كانت تحكم كملكة السيدة (إبلين اوهارا) النبيلة والمتزمتة, تعيش اسرتها كلها مرتاحة في ظل حمايتها الآمنة..
ولكن, ها قد مات التوأمان الامغران, وها هي بياتريس في ثوبها الممزق تجلس وحيدة قرب مربط الخيل وليس فيه الا حصان (البوني) العجوز (الذي هو كل ما تبقى من الاسطبل الرائع). ان كيتلين التي فقدت اباها واخوتها قد استسلمت لليأس تماما وتحولت الى (شحاذة بيضاء) لقد ماتت ايلين وجن اوهارا, وحتى (ايشلي ويلكس) معبود سكارليت (لم يعد يصلح) لدور المعبود.. هذا الانكسار الحاد لنمط الحياة المألوف, حين يبدو وكأن كل شيء يتناثر ويذهب هباء, فيما الحياة لا تنتهي ويجب عليك ان تتآلف وتتلاءم مع الجديد, وأن تلعب وفقا لقواعد مختلفة تماما, والا تكتفي بتغيير نمط حياتكم بل وطبيعتك الخاصة, هو الحالة التي وجد ابطال رواية ميتشيل انفسهم في دوامتها.. ترى أليس ذلك شبيها بحالتنا الروسية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي؟
منقول...للافادة
إعتاد كثيرون على النظر الى رواية مرجريت ميتشيل (ذهب مع الريح) بوصفها من المقروءات النسائية, زاعمين انها تليق بربات البيوت. فلو أن واحداً لا يعرف قواعد الحشمة في مجتمع ادبي جدي اتى على ذكر اسم مرجريت ميتشيل لقوبل بنظرة ازدراء مصحوبة باجابة متعالية في صيغة سؤال: (أحقا يمكن ان يعجبك ذلك؟).
فإن لم يرتبك الشخص المعني, وقال متمتماً : نعم, يعجبني ردوا عليه بان الادباء الامريكيين المرموقين لم يكونوا يطيقون مجرد ذكر اسم مارجريت ميتشيل, وان وليم فوكنر لم يدرجها يوما في قائمة من القوائم التي اعدَّها بأسماء (الادباء الامريكيين) بل حتى ان ممثلي ما يسمى بـ (المدرسة الجنوبية) (روبرت بن وورن, وكارسون ماكاليرس) لم يعيرا ادنى اهتمام لميتشيل اصلا.
ولكن كيف نفسر نجاحها بين القراء؟
وماذا يعني النجاح بين القراء؟ انه ليس مقياسا للنوعية, اذ ان (العروض الرخيصة) تحظى ايضا باقبال عدد من المشاهدين يفوق كثيرا عدد مشاهدي افلام بيرجمان.
الا ان ناقدا مشهورا وجديرا بالتقدير قال : (ان رواية ذهب مع الريح) هي المعادل الامريكي لرواية الاديب الروسي ليف تولسكوي (1818 ـ 1910) (الحرب والسلم).
اما لماذا (الصقت) وبلا رحمة برواية ميتشيل دفعة تصفها انها رواية (للنساء فقط) فسؤال جوابه, واضح تماما, ان السبب هو قصة (الغرام) بين سكارليت وريت باتلر, وهي القصة التي ربما لم يقرأ كثير من النساء (اللاتي يعشقن (العروض الرخيصة)) غيرها في الرواية.
ثم ان ديفيد سيلزنيك, وهو يصور فيلمه (ذهب مع الريح) لم يبق عمليا الا هذه القصة, وبعدئذ جاء دور هوليوود التي تعرف حقا (من أين تؤكل الكتف).
ولكن حتى هذه القصة, اذا ما توخينا الدقة, لا تندرج تماما في اطار قصص الحب الوردية.. وذلك قبل كل شيء بفضل البطلة سكارليت التي ليست على الاطلاق (نموذجا نسائيا يحتذى) وليست فتاة شاعرية حالمة تنتظر محبوبها. بل هي بالأحرى لا تنتظر محبوبها, وانما تحصل عليه مثلما تحصل على المال.
ومرجريت ميتشيل نفسها لم تكن ابدا تنظر الى بطلتها سكارليت كـ (بطلة) فهي تقول: (لقد حاولت ان اصور امرأة ليست رائعة على الاطلاق, امرأة قلما نستطيع ان نقول عنها شيئاً حسنا, وحاولت ان انجح في نسج شخصيتها, وارى انه لشيء سخيف ومضحك كون (سكارليت اوهارا) أصبحت شبيهة ببطلة قومية. كما أعتقد بأنه شنيع للغاية ـ بالنسبة لوضع الأمة الاخلاقي والعقلي ان تكون الامة قادرة على ان تصفق وتتولع بامرأة تسلك هذا السلوك).
ولكن هذه الكلمات لا تغير من جوهر الامر شيئاً, اي ان (سكارليت اوهارا) هي حقا رمز امريكا المعترف به, امريكا التي نعرفها عقب انتصار الشمال على الجنوب في الحرب الاهلية, ومن المؤسف حقا ان التاريخ لايعرف صيغة الامتناع (لو أنّ).
على أن سكارليت ليست امرأة عديمة الاخلاق ابدا, اي ليست ماجنة بالمعنى المعاصر لهذه الكلمة, انها لا تطيق غريمتها, ومع ذلك فان تلك الغريمة تظل على قيد الحياة بفضل سكارليت تحديدا, ثم ان سكارليت لا تحب اخواتها ايضا, ولكنها ملزمة بالاعتناء بهن, وتعتني بهن. وهي , على بخلها وطمعها, ترسل المال الى قريباتها في شارلستون البعيدة, مهتدية بفضيلة ضرورة تقديم المساعدة للاقرباء. وفضلا عن ذلك فإن سكارليت تحسن الالتزام بكلمتها. هذا الجمع لصفات متناقضة في شخص واحد (النبل والطمع, الحب النزيه عن الغرض والقدرة على بيع النفس, التصرف بشرف واستقامة والغش من اجل المصلحة الشخصية ان هو الا تجسيد للجمع بين براجماتية (الشمال) ومفهوم (الجنوب) للشرف, وهو ما يجعل شخصية سكارليت جذابة وممتعة الى هذا الحد.
لقد تمكنت الاديبة ميتشيل من التقاط اللحظة التي ادركت فيها سكارليت فجأة (وهي تطالع الحسابات المتداخلة في حانوت زوجها فرانك انها ـ وهي المرأة! لا تقل فهما عن الرجال سادة الحياة:
(تلك الفكرة المدوخة ـ حول ان المرأة لا تقل مهارة عن الرجال في ادارة الاعمال, بل وتبزه في ذلك ـ كانت فكرة ثورية حقا بالنسبة الى سكارليت التي تربت على الثقة بأن الرجل يعرف كل شيء, اما المرأة فضعيفة الدماغ. وبالطبع كانت قد عرفت منذ زمن طويل ان الامر ليس على هذه الشاكلة تماما, الا ان ذلك الوهم الطيب ظل حيا في وعيها.
ولم يسبق لها من قبل ابدا ان صاغت هذه الفكرة العجيبة بكلمات. كانت جالسة لاتتحرك, يرقد مفتوحا على ركبتيها دفتر الحسابات, وفمها فاغر قليلا من الدهشة, وهي تفكر بأنها خلال جميع هذه الشهور الشحيحة في (تارا) كانت تشتغل شغل الرجال.
لقد نشأت على اليقين بأن المرأة بمفردها عاجزة عن تحقيق شيء, ولكن هاهي تمكنت من رعاية البستان دون مساعدة من رجل, إلى أن ظهر (ويل) كانت تدور في رأسها فكرة هي: (نعم, نعم, لقد تمكنت, واعتقد بأن النساء يستطعن فعل كل شيء في الدنيا, ولسنا بحاجة الى أي رجل, اللهم الا من اجل الانجاب. وبهذا الخصوص, فما من امرأة عاقلة, في الواقع, ترغب طوعا بانجاب طفل).
لو كانت الداعيات الى تحرير المرأة عندنا يتمتعن ولو بنصف نباهة (سكارليت) بطلة مرجريت ميتشيل, لكن رفعن منذ امد بعيد روايتها (ذهب مع الريح) سلاحا في نضالهن, اذ ان المرأة في هذه الرواية تتغلب (غير مرة) على الرجال المحيطين بها, بمن فيهم (ريت باتلر) البارع, والذي لا وجود لمثله في الواقع.
لعل ربت باتلر في رواية (ذهب مع الريح) كلها هو البطل الوحيد الذي لا نصدق (بأن له وجودا في الحياة) انه حقا (نسخة) عن البطل العشيق النموذجي الذي يجسد حلم المرأة, فهو غني وجميل ومحظوظ, اما سكارليت فتذوب حبا له... والشيء الاهم هو انه الشخصية (الجامدة) الوحيدة, التي لا تتطور او تتغير, عند ميتشيل اي ان باتلر هذا هو هو, مطابق لنفسه في بداية الرواية وفي نهايتها. ولكن قد تكون الرواية تحظى بالنجاح لدى ربات البيوت بفضل صورة باتلر هذه تحديدا.
حقا ان قصة غرام سكارليت بباتلر تكاد تحتل ربع نص الرواية. ان رواية مرجريت ميتشيل هي تداخل اجناس ادبية, اذ يمكن ان نجد فيها وصفا للحياة اليومية, ورواية ضيعة اغنياء, وقصة طباع, وميلودراما.. الا ان الميلودراما لا تحتل المقام الأول اطلاقا.
على أن اقوى مكان في (ذهب مع الريح) يخلو من ذكر ريت بالتر, ونعني بذلك قصة صراع سكارليت واهل بيتها من اجل البقاء في (تارا) الخربة عقب انتهاء الحرب الاهلية مباشرة. فلا تزال طازجة في ذاكرة القراءة تلك الازمنة الطيبة التي كان بوسع الابطال خلالها (أن يعيشوا بكل بساطة دون ان يدركوا سحرهم وروعتهم, اي كمالهم وانسجامهم كما في الفن الاغريقي).
تلك الازمنة التي كان فيها التوأمان الامغران الفوضويان (تارلتون) يقيمان (مسابقات) لا تنتهي ويجريان وراء الفتيات وامهما (بياتريس) التي كانت مجنونة بخيول القبائل, ثم (كيتلين كالفيرت) الحسناء المرحة التي وشوشت (سكارليت) وهي تحكي لها (قصة فظيعة) عن باتلر) الفظيع) وفي تارا كانت تحكم كملكة السيدة (إبلين اوهارا) النبيلة والمتزمتة, تعيش اسرتها كلها مرتاحة في ظل حمايتها الآمنة..
ولكن, ها قد مات التوأمان الامغران, وها هي بياتريس في ثوبها الممزق تجلس وحيدة قرب مربط الخيل وليس فيه الا حصان (البوني) العجوز (الذي هو كل ما تبقى من الاسطبل الرائع). ان كيتلين التي فقدت اباها واخوتها قد استسلمت لليأس تماما وتحولت الى (شحاذة بيضاء) لقد ماتت ايلين وجن اوهارا, وحتى (ايشلي ويلكس) معبود سكارليت (لم يعد يصلح) لدور المعبود.. هذا الانكسار الحاد لنمط الحياة المألوف, حين يبدو وكأن كل شيء يتناثر ويذهب هباء, فيما الحياة لا تنتهي ويجب عليك ان تتآلف وتتلاءم مع الجديد, وأن تلعب وفقا لقواعد مختلفة تماما, والا تكتفي بتغيير نمط حياتكم بل وطبيعتك الخاصة, هو الحالة التي وجد ابطال رواية ميتشيل انفسهم في دوامتها.. ترى أليس ذلك شبيها بحالتنا الروسية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي؟
منقول...للافادة
- تاريخ التسجيل : 31/12/1969
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى